الثلاثاء , مارس 19 2024 الساعة 09 43
آخر الأخبار
الرئيسية / الأخبار / تقارير وحوارات / قصة “المُكَحّل”.. هكذا تمكن سائق الدراجة من كسر حاجز الصمت وإحياء الرفض في نفوس شباب مدينة إب.

قصة “المُكَحّل”.. هكذا تمكن سائق الدراجة من كسر حاجز الصمت وإحياء الرفض في نفوس شباب مدينة إب.

متابعات” الوطن نيوز- المصدر أونلاين”
سيظل الأول من شهر رمضان 1444هـ، يوماً تاريخياً في مدينة “الشهيد المكحّل”، ففي هذا اليوم شيع جثمانه بموكب جنائزي مهيب، حولته المشاركة الواسعة والحزن الشعبي الكبير إلى انتفاضة رفض ضد ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران.

يقول المشهد إن الناس تلبستهم روح البطولة التي منحهم إياها الرفاة المحمول على الأكتاف، ليخرجوا إلى الشوارع رافضين يمزقون صور الميليشيا غير آبهين بالسلاح والظلم والطغيان، وبينما كانت البندقية تلعلع كان صوت المواطن البسيط أقوى وهو يردد “لا إله إلا الله، الحوثي عدو الله. ارحل ارحل يا حوثي”.
من هو المكحل

ولد الشاب حمدي عبدالرزاق الخولاني في المدينة القديمة لمديرية المشنة بمدينة إب، في العام 1989، وفيها تربى وتلقى دراسته الأساسية، وتزوج ليصير أباً لطفل سماه “عمر” وطفلة سماها “عائشة”.

في حياته، كان “حمدي” لا يترك عادة الاكتحال وتدعيج عينيه بالسواد، وهي واحدة من عادات الكثير من شباب المدينة القديمة، وزاد هو عليها بأن مرر خطين متقاطعين يشبهان الوشم من طرف عينيه إلى نحو أذنيه، عادة جعلت الكل ينادونه بـ “المكحل” وهو اللقب الذي طغى على اسمه الحقيقي.

في مدينة إب القديمة حيث يسكن كان الشاب معروفاً لدى الجميع، وعمل لفترة طويلة على دراجة نارية يعول من خلالها أسرته الصغيرة، وكثيرا ما عبر عن اعتزازه بالعمل كمصدر لـ”الرزق الحلال” ويفاخر بكونه يأكل من عمل يديه.

كان ذلك الشطر الأول من حياته الذي امتد لبضع وثلاثين عاماً عرف فيها كشاب اجتماعي يعمل على دراجة نارية ليعول أسرته.

مؤخراً وخلال الفترة بين أكتوبر الماضي ومارس الجاري عاش “حمدي” حياة أخرى رغم قصرها، إلا أن أثرها كان أكثر ربما حتى مما يتوقع، أشهُر كسر فيها حاجز الخوف وتجاوز التحذيرات، ودفع كثيراً من الشباب لإعادة التفكير في حالة الصمت التي ينتهجها المجتمع تجاه ممارسات الظلم والبلطجة التي تمارسها مليشيا الحوثي.

فكيف كانت البداية؟

في يوليو 2022، بدأ الشاب المكحل نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي وبدرجة رئيسية على منصة “يوتيوب” حيث أنشأ قناة له تحمل اسم “أجياد الأمير” وهو ذات الاسم الذي كان لصفحته على “فيسبوك”، وبدأ نشاطه ضد سلطات الميليشيا التي عاثت في بلاده فساداً.

بدأ محتوى “حمدي” يثير الناس بنسب متفاوتة، حتى نهاية أكتوبر الماضي، حين شن هجوماً لاذعاً على مليشيا الحوثي وزعيمها عبدالملك الحوثي، وهنا تقول المصادر التي روت قصته لـ”المصدر أونلاين” إن جيرانه من أسرة “بيت الغرباني” والتي كانت على خصومه مع الشاب وأسرته، وشت به إلى سلطات الميلشيا.

وبحسب المصادر، فقد تبنى شخص من الأسرة تحذير الميليشيا من نشاط الشاب، وارتفع مستوى التحريض بعد مقطع الفيديو الذي هاجم فيه زعيم الجماعة، لتبدأ عناصر الميليشيا في المدينة تحركاتها ضده. وفي الـ20 من أكتوبر العام الماضي 2022 تم قطع النت عن بعض أحياء المدينة القديمة وخرجت حملة حوثية لفرض حصار على أحياء سكنية عدة في المدينة القديمة، بهدف اختطاف الشاب.

ووفقاً للمصادر فقد تكونت الحملة الحوثية من عشرات الأطقم حاصرت المدينة وانتشرت في بعض الحارات التي من بينها حارات “الميدان والمجعارة وباب الجديد وباب سنبل”، وطالبت الشاب بتسليم نفسه.

رفض الشاب الاستجابة، وكان حينها في حيه بـ”حارة الميدان” في المدينة القديمة، لتطلق الميليشيا النار باتجاه الحي ويرد هو ومن معه بإطلاق النار على عناصر الميليشيا، ما أدى إلى إصابة مدير قسم شرطة بمديرية المشنة يدعى “شامخ الرصاص” إضافة إلى عنصر حوثي آخر في الاشتباكات، فيما فشلت الميليشيا في اختطافه وقفلت عائدة.

فشل المليشيا الحوثية في القبض على “المكحل” جعل منه رمزاً لشباب الحي المتمرد ضد الميليشيا خصوصاً وأن المكحل واحد منهم، لتنتشر مقاطعه كالنار في الهشيم سيما تلك التي حاولت الميليشيا اختطافه بسببها، وصار محط إعجاب ومتابعة من قبل الأهالي وفي مواقع التواصل الاجتماعي التي ارتفع عدد متابعيه فيها بشكل غير مسبوق.

جن جنون الميليشيا التي شنت حملة أخرى للقبض عليه استمرت نحو عشرة أيام، وفشلت، فالشاب الذي أثار حفيظتهم موجود بالمدينة القديمة متلاصقة المباني وضيقة الطرق، ما يجعل مهمة الحملة العسكرية صعبة للغاية.

وطوال فترة الحملة العسكرية كان الشاب يسجل مقاطع فيديو من داخل منزله ويحدد موقعه أثناء البث المباشر الذي يتحدى فيه الميليشيا أن تقترب من المنزل أو تحاول اختطافه.

عقب ذلك لجأت الميليشيا إلى حيلة قديمة تستخدمها لاختطاف من تعجز عنهم، وذلك عن طريق الضغط عبر أقاربه وعاقل الحارة، لتنجح في اختطافه دون أي مقاومة، بعد وعود بعدم المساس به والإفراج عنه سريعاً.

وكعادتها نكثت الميليشيا في وعودها فزجت به السجن لأسبوعين حتى منتصف نوفمبر تقريباً، وعقب خروجه نفى في مقطع فيديو تعرضه للتعذيب كما أشيع، إلا أن مصادر مطلعة أفادت بتعذيبه وأنه وقع تعهدات بأن لا يكرر انتقاد الميليشيا، وقالت إن نفيه محاولة لعدم إظهار الضعف وترهيب الناس من الميليشيا.

وعقب خروجه عاود الشاب المكحل انتقاده لمليشيا الحوثي بصورة أقوى، وأعجب الناس به متجاوزين ما يرد على لسانه في كثير من الأحيان من سب وشتم، ولم يبالي بتبعات التهديدات الحوثية كما لم يلتفت للتعهدات والإلتزامات التي أجبر على توقيعها.

في الثامن من مارس الجاري، عاودت المليشيا اختطاف الشاب “حمدي” وأودعته سجن إدارة أمن المحافظة غربي مدينة إب، وهناك نفذت الميليشيا انتقامها من الشاب الأعزل.

روايات الميليشيا

في وقت مبكر من صباح الأحد الماضي، بدأ ناشطو المليشيا والموالون لها بنشر خبر مقتضب يفيد بالعثور على جثة لشخص “مشنوق” بجوار المجمع القضائي، مع حملة ضد القضاء ومزاعم أن الضحية شنق نفسه احتجاجاً على عدم الإنصاف.

كان الشاب حمدي قد اختطف قبل أيام، غير أن أسرته رفضت الحديث عن ذلك وحاولت التكتيم على الحادثة حتى تترك مجالاً لإخراجه عبر الوساطات وغيرها.

وفي وقت لاحق من يوم الأحد نفسه، سرب ناشطو الميليشيا معلومات أخرى تقول إن الشاب المكحل توفي عقب محاولته الهرب من السجن، لتثير التصريحات المتضاربة ضجة لدى الرأي العام.

ووفقا لمصادر محلية متطابقة أفادت “المصدر أونلاين” فإن أسرة حمدي تأكدت من وفاته داخل السجن نتيجة عمليات تعذيب مروعة، وذلك بهدف إيصال رسائل تحذير لناشطين من شباب إب وبقية المحافظات.

وقالت المصادر إن أسرة حمدي حاولت أخذ الجثمان لكن طلبهم قوبل برفض الميليشيا التي كانت تعترف بوفاته تارة وتنكر أخرى، وأخيراً وضعت شروطاً لاستلام الجثة من بينها تنازل الأسرة عن مطالبها بالتحقيق في الحادثة وعرض الجثة على طبيب شرعي، وهو الأمر الذي دفع الأم للخروج بتسجيل صوتي عبر إحدى ناشطات المليشيا تطالب بالجثة بهدف الدفن وأن الأسرة متنازلة عن كل شيء مقابل تسليم الجثة.

وقالت الأم المكلومة في التسجيل: “أني بيني وبينهم ارحم الراحمين، قهروني بابني ولا اشتي منهم حاجة، يخرجوا ابني ويكفي يوجعوني فوق ماني موجوعة، ابني قهروني به واحنا بيننا وبينهم بين يدي الله وفوضت أمري إلى الله”.

كما نشر فيديو آخر للطفلين (عمر وعائشة) أبناء المكحل وهما يطالبان بإخراج أبيهما من الثلاجة، ببراءة الأطفال الذين لا يدرون أن الثلاجة تعني الوفاة، وهو الفيديو الذي قاد لحملة كبيرة في مواقع التواصل ساهمت بالتزامن مع تنازل الأسرة عن مطالبها بالإفراج عن الجثمان وفق شروط.

وحددت الميليشيا عقب صلاة الفجر يوم 1 رمضان كموعد للدفن لتوقعها ردة فعل الناس الغاضبين لتصفيتها الشاب داخل السجن دون ذنب، وقبلت الأسرة بشروط المليشيا التي أخرجت الجثة بوقت متأخر جدا من مساء الأربعاء، وبعد وصول الجثمان إلى منطقة “الجاءة” حيث جهز للدفن، رفضت الأسرة ضغوط المليشيا، وأجلت التشييع حتى بعد صلاة العصر.

تقاطر الناس من المدينة القديمة وكل محافظة إب استعداداً للتشييع، لتكتظ المنطقة بالمشيعين، ومع أولى الخطوات صدح المشيعون بهتافاتهم: “لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله”.

ومن على أسطح المنازل وعلى جوانب الطرقات وقفت النساء بشكل مهيب، وزغردن تضامناً مع الأسرة المكلومة وتوديعاً للشهيد البطل، لتعلو الهتافات “لا إله إلا الله والحوثي عدو الله” و “ارحل ارحل ياحوثي”.

أثار كل ذلك غضب الميليشيا التي شنت حملات مداهمة واقتحمت أحياء واختطف العشرات من المواطنين، كما سارعت لإصدار بيان وتوضيحات لقيادات فيها تناقض نفسها، من بينها رواية تقول إنه سقط أثناء محاولته الفرار فمات، وأخرى تقول إنه عثر عليه جثة في بدروم مبنى قيد الإنشاء، لكن كل تلك المحاولات عجزت عن حجب الحقيقة، وغدا الناس يرددون اسم الشهيد المكحل في كل البلاد.

شاهد أيضاً

وزير النفط يبحث مع بعثة الاتحاد الأوروبي أوجه الشراكة بين الجانبين.

  بحث وزير النفط والمعادن الدكتور سعيد الشماسي، اليوم، في العاصمة المؤقتة عدن، مع رئيس ...