حرب اقتصادية شعواء وتقسيم عملي للبلاد، واستئثار بالثروة والسلطة والتلاعب بحياة الشعب والمغامرة بمستقبل اليمن وإغراق حاضرها بالأسلحة الإيرانية التي ترتكب بها المليشيا انتهاكات خطيرة وجسمية خاصة بحق نساء وأطفال اليمن، ما يجعل عملية السلام تحت رحمة النزعة الإرهابية للجماعة.
هذا ما نقشته ندوة حقوقية نظمتها نقابة المحاميين اليمنيين في محافظة مأرب، يوم الخميس، انطلاقا مما تضمنه تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة الصادر في نوفمبر الماضي، وما وثقه من مخاطر تهدد عملية السلام، عبر ثلاثة محاور رئيسية، هي: الاقتصاد والتسليح وانتهاكات حقوق الإنسان.
وقدمت ثلاثة أوراق عمل في الندوة، يستعرضها محرر الصحوة نت بالتفصيل (أدناه) وقد أثريت حولها النقاشات والمقترحات التي أكدت جميعها على أهمية دور المنظمات الحقوقية، والنخب اليمنية، في دعم جهود الحكومة وكشف الانتهاكات والأخطار التي يعيشها الشعب اليمني منذ انقلاب المليشيات الحوثية في 2014م وحتى اليوم، والسلام الحقيقي الذي يريده أبناء الشعب اليمني.
*تهريب مستمر للأسلحة الإيرانية*
وحملت الورقة الأولى عنوان “تهريب السلاح لمليشيا الحوثي بين انتهاكات القرارات الأممية وتجاهل الحكومة”، استعرض من فيها نائب رئيس فرع نقابة المحامين في مأرب خالد الريمي، حجم الانتهاكات والخروقات التي قامت بها جماعة الحوثي وإيران للقرارات الأممية المتعلقة بحظر توريد الأسلحة.
وتطرق الريمي في ورقته للمناورة التي أجرتها المليشيا في أبريل عام 2022 قبالة جزيرة كمران، والتي عرض فيها “أنواع من الزوارق السريعة المجهزة بأنواع كثيرة من الأسلحة منها راجمة صواريخ من عيار 107 ملم ورشاشات ثقيلة وخفيفة”، والتي يستخدمها الحوثيون مؤخرا في تهديد الملاحة الدولية.
وأشار إلى تحليل الخبراء للأسلحة التي عرضتها المليشيا في في احتفالات عسكرية بعدة محافظات، وتوثيقهم لأربع حالات جديدة تتضمن تهريب “منظومة مراقبة كهرو بصرية ومكونات قذائف تسيارية وتهريب محركات طائرات مسيرة براً وكمية كبيرة من الصواعق والسلائف الكيمائية الخاصة بصنع المتفجرات ومركبات لدفع الغواصين صادرتهما الحكومة اليمنية”.
وقال الريمي إن “التقرير تضمن مؤشرات عديدة وقوية ينبغي على الحكومة الاستفادة منها وتوظيفها لتحقيق مطالبها الشرعية، ومن تلك المطالب الضغط الأممي بتشديد العقوبات على جماعة الحوثي والضغط عليه للحد من امتلاك للأسلحة وتهريبها”.
ولفت الريمي إلى حالة لتقاعس التي أظهرها التقرير، من خلال تمكن المهربين من تمرير الأسلحة من عدة نقاط، مؤكدا أن تلك الجهات تعاملت مع تهريب الأسلحة بلا مبالاة ما يجعلها تحت طائلة المساءلة الجنائية.
واعتبر صمت الحكومة والإهمال أو التقاعس في القيام بمسؤولياتها تجعلها عرضة للمسألة الجنائية أمام القضاء، مطالبا الحكومة بمصارحة الشعب بالحقائق، ولو كانت مرة وتوعيته لينهض بدوره في مساندة الجيش، إضافة إلى قيامها بتوفير كل الدعم للقوات المسلحة بما يحقق التفوق على قدرات مليشيا الحوثي.
وشدد الريمي في ختام ورقته على عدة توصيات داخلية وخارجية، أهما حشد الدعم الدولي للضغط على إيران لوقف إمداداتها المستمرة والكبيرة لمليشيا الحوثي بالأسلحة وتمويل إرهابها المتواصل ضد كل فئات المجتمع والمنطقة وخطوط الملاحة البحرية الدولية.
*تدمير الاقتصاد الوطني وإفقار الشعب*
وفي الورقة الثانية المعنونة بـ”قراءة معمقة للوضع الاقتصادي والانتهاكات الحوثية التي أوردها التقرير الأممي وما تشكله من تهديد حقيقي وكبير للسلام والأمن والاستقرار لليمن والمنطقة”، أشار مقدمها الباحث محمد الجماعي إلى تتشابك المشكلات الاقتصادية في اليمن بالأوضاع السياسية والحرب وتنازع الاستئثار بالموارد والمقدرات الاقتصادية للبلاد.
وقال الجماعي إنه “من الصعب فصل ما هو اقتصادي عن جذره السياسي أو العسكري، الأمر الذي يؤثر على الحالة الاقتصادية الهشة أصلا، ويفاقم الوضع المعيشي للمواطن اليمني بشكل كبير، وهو ما شهدته البلاد طيلة فترات الحرب، وأصبح محورا لكل الحوارات السياسية والدبلوماسية والهدن المتعاقبة، وقد شهدت كل تلك الجولات فشلا ذريعا في إيجاد أرضية مشتركة لأي اتفاقيات أو هدن أو تفاهمات”.
وأضاف أن “الخبراء أشاروا إلى استخدام الحوثيين تدابير اقتصادية مدروسة لإعاقة عمل الحكومة لمنعها من أداء وظائفها ونقل حرفيا تصريح وزير الخارجية د. أحمد بن مبارك بأن الحوثيين يهدفون إلى استخدام الجوع كسلاح في عدوانهم”.
واستعرض الجماعي في ورقته جوانب من الحرب الاقتصادي بما في ذلك استحداث جمارك بين المدن وإجبار المستوردين على كتابة تعهدات بعدم الاستيراد عبر موانئ عدن، وفرض جبايات وضرائب مضاعفة، ومنع تداول العملة الجديدة المطبوعة بعد عام 2017.
وأشار إلى تعاظم فوارق الحوالات بعد مع تداول العملة الجديد، وامتنعت الحكومة من جهتها عن دفع مرتبات بعض الجهات كالتربية والقضاء والمتقاعدين، والتي كانت قد بدأت بإرسالها إلى صنعاء والحديدة وتعز وإب وغيرها من المناطق، نظرا لتعنت الحوثي في التعامل مع العملة الجديدة”.
وبين أن “تلك الإجراءات الحوثية وكما عرضها الخبراء أدت إلى فشل كافة الجهود الأممية في إيجاد توافق لحل مشكلة الرواتب، بل وقام الحوثي بوضع العراقيل التي تحول دون أي اتفاق في هذا الباب”.
وتحدث عما تناوله التقرير بخصوص “التوجيهات والإجراءات المتناقضة بين مركزي عدن الرئيس ومركزي صنعاء الذي تمرد على السياسة النقدية التي اتخذتها الحكومة، وحدوث انقسام خطير على مستوى الإدارات والقرارات والأسعار بين المناطق والمحافظات بحسب جغرافيا السيطرة، ما أدى إلى التضخم الحاصل في المعروض النقدي، وضعف قيمة الريال اليمني أمام العملات الصعبة”.
وتطرق الباحث الجماعي إلى الوقائع التي عرضها الخبراء في تقريرهم، والتي أطلق عليها اسم “الشواغل الاقتصادية الخلافية وغير المحسومة”، وقال بأنها لا تهدد عملية السلام الجارية فحسب، ولكنها أيضا تهدد وحدة اليمن وسلامته.
ووضع الجماعي مجموعة من النقاط أمام الحكومة اليمنية والمتعلقة بالتفوق الحوثي في الجوانب المالية والاقتصادية وتمكنها من تصفير تصدير النفط.
وختم ورقته بالإشارة إلى سوء الخدمات الحكومية خاصة ما يتعلق بالكهرباء في عاصمة الجمهورية والمحافظات المحررة وعجز الحكومات المتعاقبة عن إصلاح وصيانة محطات الكهرباء القديمة والجديدة.
*تفخيخ المستقبل والقدح في شرف اليمنيات*
وفي الورقة الثالثة التي قدمتها الناشطة الحقوقية شادية الصبري بعنوان “الانتهاكات الحوثية لحقوق المرأة والطفل التي أوردها تقرير الخبراء وأدانها، ومدى تأثيرها على تحقيق السلام في اليمن”.
أشارت الناشطة، إلى ادعاء الحق الإلهي التي تجرع بسببه اليمنيين في دورات عنف الويلات، وكان الأطفال والنساء أكثر المجتمع تضررا ودفعا للثمن.
وقالت الصبري، إن ما تضمنه التقرير الأخير للخبراء “بقدر ما تثير فقراته الألم والحسرة، إلا أنه في الوقت ذاته قد كشف معاناة قطاعي المرأة والطفل الحاضرة، وحذر من تبعاتها المستقبلية ومخاطرها شبه المؤكدة”.
وأضافت: “تحدث التقرير عن الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري، وأن الرجال المفقودين والمحتجزين كثيراً ما يكونوا هم المعيلين الوحيدين لأسرهم، ولكم أن تتخيلوا مدى معاناة المرأة وأطفالها بعد إخفاء معيلهم الوحيد قسراً وكيف تمضي حياتهم سنون طويلة بدونه”.
وأوضحت أن التقرير أشار إلى تعرض النساء للتعذيب الممنهج و”غيره من ضروب المعاملة السيئة بما في ذلك من قبل الزينبيات، وتتعرض النساء المحتجزات أيضا للاعتداء الجنسي”، مذكرة بثقافة اليمنيين التي توجب تكريم المرأة وتحييدها وإبعادها تماما عن الصراعات سياسية أو اجتماعية.
وأشارت الناشطة إلى ما تضمنه التقرير من معلومات صادمة عن الأطفال المحتجزين لأسباب سياسية، وتعرضهم في قسم شرطة الأحمر “بانتظام للاغتصاب”، وهي جرائم وانتهاكات نسبها الخبراء لمليشيا الحوثي التي ترتكب عنفاً جنسياً ضد الرجال والنساء والأطفال في مرافق الاحتجاز كوسيلة للتعذيب في المقام الأول.
وتطرقت الصبري في ورقتها إلى ما عرضه التقرير من انتهاكات أخرى كمنع لسفراء المرأة، واشتراط محرم من الرجال، واستخدام التشهير العلني وتجاوزه إلى الافتراء والقذف بالبغاء لليمنيات بما فيهن نساء الشتات.
وقال الناشطة إن “الحوثي نسي أو تناسى أن أكثر ما يؤلم اليمنيين، ويجرح مشاعرهم هو المس بعرضهم الجمعي واتهام قطاع واسع منهم بتهم تمس الأخلاق والآداب العامة في مجتمعهم المحافظ”.
وأضافت أن الفريق كان منصفا حينما نسب معظم الحالات إلى الحوثيين؛ مما يعزز الثقة بدقة الفريق وموضوعيته، مشيرة إلى أن المليشيا تعاقب “اليمنيات الناشطات سياسيا أو مدنيا أو حقوقيا بالتهديد بالقتل لهن أو أفراد أسرهن”، إضافة إلى تشويه السمعة.
وختمت ورقتها باقتباس التوصيف الذي لخص به الخبراء ما أسموه مجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الأطفال بوصف ما “أحدثه الحوثي بالتأثير الذي لا يمحى لهذه الانتهاكات على الأجيال اليمنية المقبلة”.