الأحد , مايو 5 2024 الساعة 16 38
آخر الأخبار
الرئيسية / مقالات / ينطق المحارب فيذعن العالم لما يقول. وينطق حسن؛ فتنتشر السخرية في كل مكان.

ينطق المحارب فيذعن العالم لما يقول. وينطق حسن؛ فتنتشر السخرية في كل مكان.

‏ محمد المياحي

‏ خطبة طويلة. لا أعرفُ محاربًا يُسهب في الكلام. ولا محارب طوال التاريخ تحدّث لساعتين. الحربُ نقيض الكلام؛ حين تتعطل وظيفة الكلمات، يلجأ الناس للحرب؛ كي يعيدوا للخطاب قدرته على تسوية المشاكل فيما بينهم. لمجرد أن أعلن الرجل عن خُطبة مرتقبة؛ كان عليكم أن تعرفوا الخلاصة: أنتم على موعد مع الدجّال الأكبر في المنطقة. غشّاش يُزيف الحقائق في قلب النهار. ما هو الدجْل..؟ هو المعنى المجاور للإحتيال. إنه لص يرغب بالفوز دون أي ثمن، يتحدث عن الشهادة من وراء حجب، محاط بالنساء والغلمان. الدجل تمجيد الشجاعة دون أي استعداد للمخاطرة. ولا مثال أوضح من حسن.

‏حسن يخطب، تكلم كثيرًا ولم يقل شيئًا. لماذا خطبة طويلة..؟ لأن الدجل يحتاج للشرح، للمناورة، لتنويع العبارات، المتاهة مطلوبة في كلام المحتالين؛ يجتهد لموارة اللص الكامن بين جوانحه. فيما الحقيقة بسيطة، مباشرة وواضحة ولا تحتاج تجويد للخطاب. المدافع تتكلم بوضوح. هذا زمن الحرب والنار لغة كافية. لكنه يفتقد لصدق المحاربين، هو يدرك حقيقته هذه، فما من شيء فيه يحمل ملامح البطل.

‏انظروا في وجه حسن، ملامحه تفيض بالنعيم ، تلك الطمأنينة ليست سكينة المؤمنين الكبار. إنه أمان نابع من مهادنة العدو، أما غضبه متكلف وقسري،فلا دم نزف من رجاله ولا أوجعه عدو؛ كيف ستصدق مشاعر النقمة في وجهه وملامحه، وكل ما فيه يوحي بالزيف واللؤم.

‏يعوِّض فقدانه للشجاعة بفائض كلام؛ لكنه يفتقد لقوة الإقناع. يبالغ في التشنج؛ لينتزع عاطفة تصدقه، فيزيد من سخرية الناس تجاه. هناك قوة ما تقف خلف الكلمات، هي من تُثبِّت الدلالة وتمنح الكلام صفة حقيقة نهائية، جاهزة للإنتشار دونما جهد، ينطق المحارب كأنه يضع أذنه في قلب الكون فيذعن العالم لما يقول. وينطق حسن؛ فتنتشر السخرية في كل مكان
‏‌

شاهد أيضاً

حُجرية تعز.. سر اليمن المكنون

  بقلم :عادل الاحمدي قبل 28 عاماً، عملت لأسبوعين أثناء العطلة الصيفية، حمّالاً في شركة ...