الإثنين , أبريل 29 2024 الساعة 21 55
آخر الأخبار
الرئيسية / مقالات / البتول.. وبذرة الوعي.

البتول.. وبذرة الوعي.

كتابات : محمد محروس

منذ عامٍ خسر اليمن أحد أبرز رجالاته الأوفياء الذين كان لهم الدور الكبير في زرع بذرة الوعي والتنوير والتجديد على مدى عقود من التاريخ اليمني المعاصر.

في خضم المعركة الوطنية ضد خفافيش الظلام الذين خرجوا منذ سنوات في وضح النهار ينشرون فيروساتهم وشرورهم على كامل الخريطة اليمنية، فجعنا الموت برحيل النذير “عبدالفتاح البتول” الذي خسرته اليمن في وقت كانت في أمس الحاجة إليه، بعد أن عمل منذ التسعينات على كشف خيوط ظلام الإمامة ودحض أباطيلها والدفاع عن النظام الجمهوري والوحدة اليمنية كأهم مكتسبين وطنيين، في مهمة واجه في سبيلها كثير من المعاناة ونكران الجميل.

منذ وقت مبكر حذّر البتول من “عش الدبابير” وخطورة المد الحوثي الذي كان يتشكل على أعين النظام، قبل أن يتحول إلى طوفان كارثي يلتهم الجميع.

كان الفقيد البتول “أمة” يواجه وحيداً عبر يراعه جيوش الإمامة التي غادرت لتوها كهوف الماضي وبدأت حربها ضد اليمنيين ونظامه الجمهوري في الحروب الست وماتلاها؛ في حين أن قوى وكيانات وأحزاب سياسية، كانت تتحدث من باب النكاية السياسية عن مظلومية تلك الكائنات الظلامية.

رغم كل الخذلان والوقوف وحيداً في وجه العاصفة، لم يفتر النذير “البتول” عن دق جرس الإنذار والتحذير من مخططات (الإماميون الجدد) المتدثرون بلباس “الشباب المؤمن” ـ مسمى لمليشيا الحوثي في بداية نشأتها ـ والمتخفون وراء شعارات جوفاء لاتمت للواقع بصلة.

صرخ كثيراً في وجه صرخة الموت ولكن لا حياة لمن تنادي، كان البعض ـ وللأسف كثيراً منهم من أحباءه ـ يقولون عنه بأنه يُغّرد خارج السرب، السرب الذي انفرط في يومٍ أسود خيّم على البلاد ومزقها كل ممزق.

رحل الأستاذ البتول بعد أن زرع بذرة وعيٍ في المجتمع عن كهنوت مليشيا تحمل أحقاد قرون من الزمن، مثلت هذه البذرة لكل الوطنيين درب هداية في ليل اليمن الكالح، ومعركة أحراره للدفاع عن كرامة الشعب وجمهوريتهم ووحدتهم المباركتين.

في وحشة الأيام الصعبة، غادرنا البتول بصمت وكأنه يهمس في أذن الجميع ـ كما كان يُسدي نصائحه على الدوام ـ “لقد قمت بما يُليه علي الضمير والواجب، والآن الدور عليكم”.. غادرنا من غير وداع ونحن المدنيون له جميعاً باعتذار واعتراف كبيرين.. اعتذار عن تساهلنا مع الكارثة التي كان يُحذّر منها واعتراف بفراسته ونباهته التي استشرفت المستقبل الموحش قبل عقود.

يا لخسارتنا والوطن برحيل هذا الهامة الكبرى وعزاؤنا أن كلماته التي كانت تتصدر واجهات الصُحف باتت اليوم حمماً تُحرق عش الظلام ومدافع تهدد قصوره.

يتحتم على حزبه ومؤسساته الإعلامية وكل المؤمنين بفكرته، أن يعملوا على تدوين وتوثيق وجمع كل كتاباته ومقالاته وأبحاثه ومسودات كتبه وإخراجها للنور جزء من الوفاء له.

عامٌ كامل مضى ولازال الألم يعتصر في الفؤاد وكأن الموت الليلة.. لاأكاد أصدق أو لكأني أرى كابوساً سينقشع بعد غفوة.. منذ عام وأنا أتحسس عنه كغائب طال انتظاره؛ كانتظار وطن يتعطش للحرية والإشراق من جديد.

آخر مرة التقيته كانت ليلية رمضانية مطيرة، في منتصف العام 2014م، كُنت وصديق آخر في ضيافته، وفي طريقنا لمنزله كانت تتوارد الأنباء عن سقوط معسكر 310 في عمران واستشهاد العميد حميد القشيبي، ورغم ماحفنا به من كرم ضيافة وحفاوة استقبال هو وأسرته الكريمة، إلاّ أنها ليلة حزينة لا تُنسى، حيث لازلت أتذكر حجم المرارة التي كان يتجرعها الفقيد تلك الليلة من خلال كلماته الموجوعة التي كانت تتهدج إلى قلوبنا المنكسرة، تحولت المائدة تلك الليلة إلى محاضرة يتحدث فيها الفقيد عن الأسباب التي أودت إلى تلك المآلات والمخططات القادمة من وجهة نظره الاستشرافية.

طوال جلستنا القصيرة معه، كان أبونا البتول يتحدث عن سيناريو التهام المُدن وانعكاسات ذلك على الوطن وكل مكوناته المفككة والمشدودة بالصراعات التي تم تغذيتها عبر شقوق تم خرقها في جسد الصف الوطني على حين غفلة.

لم يُكتب لي أن ألتقيه بعد ذلك حتى وفاته ـ رحمه الله ـ وذلك بسبب الأوضاع التي آلت اليها البلاد، ودخولنا حياة “البرزخ” التي مر عليها سبع سنوات حتى الآن ولا ندري إلى متى ستستمر.

خسارتي على المستوى الشخصي بفقدانه كبيره فهو قدوتي في الكتابة ومدرستي في عالم الصحافة ومعلمي في الشجاعة في القول.. وجعي أني لم أتمكن أن أقول له يوماً ذلك وحسرتي أني لم أعترف له بأني كنت من أكثر المعجبين بمايكتب وخاصة فيما يتعلق بالحوثيين وخطرهم والأحزاب الإمامية التي كانت تُخفي خطرها تحت ستار التحالفات.

المضي في طريقه والتزام نهجه في مقارعة الظلام وأدواته وحده من يخفف عني الألم رغم صعوبة ذلك.. في سنويته الأولى عزائي للوطن مجدداً ولنا ولأهله وللجميع، ونسأل الله أن يجمعنا به في دار مستقره في جنة الخلد إخواناً على سُررٍ متقابلين.

شاهد أيضاً

حُجرية تعز.. سر اليمن المكنون

  بقلم :عادل الاحمدي قبل 28 عاماً، عملت لأسبوعين أثناء العطلة الصيفية، حمّالاً في شركة ...