متابعات الوطن نيوز- المجهر
مع تكثيف جماعة الحوثيين حشدها إلى الجبهات استعدادا لما أسمتها بـ”جولة أخرى” من الحرب بعد هدوء نسبي رافق محادثات السلام في البلاد منذ انتهاء الهدنة الأممية في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، تصاعدت حالة الرفض في أوساط الشباب في مناطق سيطرة الجماعة، وهرب الكثيرون من جبهات القتال بعد إداركهم بعبثية المعركة التي تخوضها الجماعة للزج بهم في محارق الموت.
الشاب عمر أحمد (23 عام) ترك القتال في صفوف جماعة الحوثي منذ ثلاث سنوات ، ليبدأ حياة جديدة تختلف كثيرًا عن سابق أيامه التي عاشها منذ التحاقه بصفوف الجماعة.. هكذا قرر أحمد وهو من سكان ريف تعز، مغادرة المنطقة التي يقطنها والانتقال إلى المدينة بهدف التحاقه بالتعليم الجامعي.
يقول الشاب: “بعد سنوات من القتال في صفوف الحوثي، وجدت نفسي بدون حلم وبلا مستقبل، وعالة على أسرتي، ما دفعني نحو التفكير بواقعي وواقع زملائي الذين لم يسلكوا مسلكي ووجدت أنهم صاروا افضل حالا وأضحوا مهندسين وصيادلة ومحاسبين بينما أنا ضائعاً وتائهاً”.
ويضيف: “فكرت ايضاً بالوعود الحوثية التي وعدونا بها، ووجدت أنها سراب حيث لم نحصل على المال والسلاح والغنائم التي وعدونا بها، كل ما كنت أحصل عليه وجبة غذائية، وألف ريال مصروف يومي، لذا قررت مغادرة صفوف الحوثيين والنظر لحياتي ومستقبلي”.
فوزي سعيد، شاب آخر تخرج من قسم المساحة والطرق في أحد المعاهد المهنية بصنعاء، ولم يحصل على عمل، لذلك انقاد لاغراءات أصدقائه الذين أوهموه بالالتحاق بصفوف الحوثيين فرصة ستعود عليه وعلى أسرته بالمال والرتب العسكرية.
ويؤكد الشاب فوزي لـ “المجهر”: “أوهمني أصدقائي بأنني القتال مع الحوثيين مربح ومدر للمال والذي ساجنيه من خلال أخذ غنائم السلاح، والعودة لبيعه بمبالغ باهضة ولكنني لم أستطع أخذ حتى سلاحي الذي استلمته كعهدة”.
ويشير إلى أنه لم يجني سوى التعب والخوف والرعب، والجوع والفقر، كما لم يحقق تلك المكاسب التي وُعِدَ بها، لذا قرر الشاب ترك القتال مع الحوثي، واقتراض مبلغًا من المال وافتتاح بسطة والبدء بالعمل من أجل تحسين الحالة المعيشية، مؤكدًا أن الحياة والمستقبل في السلم والعمل وليس في جبهات الموت.
أما بالنسبة لعزيز أحمد، (18 عاما) فقد فر من إحدى الجبهات بعد أسابيع من إرساله. يتحدث لـ “المجهر”: “أغروني بأن القتال معهم جهاد في سبيل الله وأن الجنة مصير كل مقاتل حوثي، وعندما وصلت الجبهة وجدت أنهم يزجوا بالشباب في محارق الموت ويأمرونهم بالتقدم للقتال في الصفوف الأولى فيما تبقى قياداتهم في أماكن آمنه”.
ويضيف: “قتل العديد من رفاقي في حين لم يقتل أحد من القيادات الحوثية، وتساءلت في نفسي كيف يحدثوننا عن الجهاد والجنة، بينما يمتنعون عن القتال، ويتجنبون المواجهات المباشرة.. قررت العودة والعمل في البناء وحمل متطلباته مقابل أجر زهيد وحاولت شراء فيزة سفر ولكني لا أملك المال وليس لدي من يدعمني كما أن والدي مات قتيلاً ولم يقبض الحوثيون على قاتله وهذا الأمر أغاضني كثيرا وجعلني أدرك مدى فداحة القتال في صفوف الحوثي”.
يوميًا، تتزايد أعداد الشباب الذين يتركون صفوف الحوثيين، خصوصًا مع تفاقم الشعور بالضياع والخوف من المستقبل المجهول، ففي السنوات الأخيرة من الحرب يعزف كثير من اليمنيين عن القتال مع الحوثي، متوجهين نحو مواصلة التعليم في المدارس والالتحاق بالجامعات والبحث عن العمل.
وتأتي صحوة هؤلاء الشباب، عقب تفكير عميق بما آلت إليه حياتهم وأوضاعهم، إلى جانب ضغوط أهاليهم، حسب شهادات كثيرين أكدوا بأن جماعة الحوثي سعت إلى استدرجتهم بأساليب متعددة بينها الاغراء والترهيب أيضًا.
تجنيد الأطفال
مطلع أبريل/نيسان الماضي، ذكر التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (تحالف رصد) أن أطفال اليمن تعرضوا إلى انتهاكات واسعة شملت تغيير معتقداتهم وهويتهم الوطنية والتجنيد القسري والاستغلال الجنسي وأعمالا أخرى يمكن وصفها بالاتجار بالبشر.
وأشار التقرير إلى أن التجنيد ازداد بوتيرة كبيرة العام 2022، وأن العدد الأكبر من المجندين لقوا حتفهم خلال الأعمال القتالية، وسجل التقرير مقتل 142 طفلاً، وما يزال 82 طفلاً مستمرين في التجنيد، و13 طفلاً عادوا إلى منازلهم، و5 منهم محتجزين، و4 مصيرهم مجهول.
وأفاد التقرير بأن جماعة الحوثي عملت على استقطاب وتجنيد الأطفال عبر سلسلة من المشرفين، وسخّرت من أجلهم الكثير من الأموال لتسهيل عملهم في التأثير على الأطفال، وتعمدت تغيير المناهج التعليمية للأطفال وهو ما أثر بشكل واضح في الدفع بهم إلى التجنيد.
وتستغل جماعة الحوثي فقر هؤلاء الشباب، وفراغهم وقلة وعيهم من أجل اقتيادهم إلى جبهات القتال، بعد أن تسوق لهم الكثير من الاغراءات.
وتتعدد طرق التغرير بالشباب في مناطق سيطرتها إذ تستخدم مشرفيها وقياداتها من أبناء تلك المناطق وتغدق عليهم بالأطقم والمرافقين والمال لتغري الشباب بتلك المظاهر وتجعلهم يتدافعون للانضمام لصفوفها أو يستجيبون لعمليات التحشيد المتواصلة التي تنفذها بواسطة مشرفيها وقياداتها والمشائخ الذين استحدثتهم حسب ناشطين.
*تعبئة طائفية*
يقول أبو فؤاد وهو ناشط حزبي لـ “المجهر” إن الجماعة تستخدم خطباء الجوامع ومدراء المدارس والأشخاص المؤثرين من الموالين لها في عملية التحشيد والتغرير بالشباب لينضموا للقتال في صفوفها كما أنشأت مكاتب خاصة بالتحشيد في مناطق سيطرتها حسب سكان محليين ومجندين.
وتستغل الجماعة أوضاع الشباب المتردية مع أسرهم وكذلك معاناتهم من الفقر والبطالة والفراغ والحاجة للمال حسب أبو فؤاد والذي يلفت إلى توظيف المليشيا للمناسبات والفعاليات والدورات الطائفية التي تقيمها في التحشيد وغسل أدمغة الشباب واستقطابهم للقتال في صفوفها.
تحدَّثت منظمة «سياج» لحماية الأطفال أواخر نوفمبر العام 2021 عن استقطاب الحوثيين لأكثرَ من نصف مليون طفل في عام 2020، عبر ستَّة آلاف مُخيَّم صيفي، أُقيمت في مناطق سيطرتها، متوقِّعةً إشراك عدد منهم في معاركها المشتعلة مع قوَّات الشرعية.
وتعتمد جماعةُ الحوثي في استقطابها لأطفال المدارس على الإغراء بالمال، وتقديم المساعدات الغذائية، ومنح الرُّتَب العسكرية، أو التجنيد القَسْري؛ بواسطة الاختطاف والتهديد وتستخدم المخدِّرات أيضًا في التجنيد؛ إذ تُغرِق المناطقَ الواقعة تحت سيطرتها بالموادِّ المخدِّرة، وتدفع الأطفال للإدمان عليها؛ لإجبارهم فيما بعدُ على الالتحاق بمعسكراتها التدريبية مقابلَ الحصول عليها، ثم دفعهم إلى جبَهات القتال.
ترهيب
يبدو أن جماعة الحوثي، تعي مدى رفض المواطنين لها ولذلك تكثف جهودها الرامية لخلق مجتمع موالٍ لها فكرياً وثقافياً واجتماعياً، ولذلك تكثف منذ انقلابها على السلطة من الدورات الطائفية والمراكز التي تستهدف الأطفال.
وتستخدم جماعة الحوثي عدد من الأساليب لتسويق نفسها تحت مسميات متعددة لتستدرج الشباب وفي المقابل تتوالى التحذيرات المجتمعية والحقوقية والرسمية من مغبة ذلك حسب سياسيين.
وتستغل هذه الجماعة المساعدات الإنسانية من خلال توفيرها أو منع الأسر من الحصول عليها على أساس مشاركة الأطفال في أنشطة الحوثي، وتلفت تقارير حقوقية إلى أن مشاركة البعض خوفاً على حياتهم أو منع الحوثيين وصول المساعدة الإنسانية إليهم.
وتنفذ جماعة الحوثي، حملات تجنيد تستهدف شريحة الشبان وصغار السن بمناطق متفرقة بينها محيط صنعاء، وتلزم زعماء القبائل بسرعة تجنيد مقاتلين جدد لتعزيز الجبهات حسب وسائل إعلام.
قلق دولي
وتعد ظاهرةُ تجنيد الأطفال في اليمن من أخطر صور انتهاك حقوق الإنسان محلِّيًّا ودَوليًّا، ومصدر خوف وقلق بالنسبة للمنظمات الدولية والمحلية والتي ذكرت أن جماعة الحوثي تستغل المراكز الصيفيةَ والمدارسَ في اليمن لتجنيد الأطفال، بعد منحهم تدريبًا فكريًّا طائفيًا لعدة أسابيع، ثم تسوقهم إلى محارق الموت، في حين تُوهم أهاليَهم أنهم في دورات ثقافية، أو مراكزَ أمنية بعيدين عن خطوط التماسِّ، والمواجهات ولكن يكتشف الأهالي فيما بعد زيف الادعاءات الحوثية.
وتزج جماعة الحوثي، بهؤلاء المجندين إلى الخطوط القتالية الأولى، وتستخدمهم في توزيع المؤن والإمدادات، وجمع المعلومات، وبناء التحصينات، وحفر الخنادق، وزراعة الألغام وهذه الآخيرة تسببت بمقتل وإعاقة الكثيرين.
وذكر تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومنظمة “سام” للحقوق والحريات، أن جماعة الحوثي تستخدم أنماطًا معقّدة لتجنيد الأطفال قسريًا والزجّ بهم في الأعمال الحربية في مختلف المناطق، ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات منهم.
وفي وقت سابق، كشف تحالف حقوقي يمني، عن تجنيد ميليشيات الحوثي 12054 طفلاً في عدد من المحافظات خلال الفترة من مايو 2014 وحتى مايو 2021.
و تتجدد تحذيرات الحكومة المعترف بها دولياً وتكثف المنظمات الحقوقية من تحركاتها يتفاقم الوعي المجتمعي وتشتد مخاوف الأسر من وقوع أطفالهم وشبابهم في فخ الاستقطاب من قبل مليشيا الحوثيين مادفع تلك الأسر لاتخاذ تدابير للنأي بأبنائها عن التجنيد الحوثي .
وأكدت الحكومة اليمنية، أن جماعة الحوثي المدعومة من إيران جندت 35 ألف طفل وشاب منذ الانقلاب في 21 سبتمبر 2014 منهم 17٪ دون سن 11 عامًا وأشارت إلى أن قرابة 2000 طفل جندتهم مليشيات الحوثي الانقلابية في صفوفها قتلوا مؤخرا في مأرب”.
وكشف تقرير فريق الخبراء الأممي المعني باليمن، مطلع العام2023، عن مقتل 2000 طفل جندتهم ميليشيا الحوثي في أقل من سنتين وتواصل المليشيا اقامة معسكرات ويعقدون دورات لتشجيع الشباب والأطفال على القتال كما كشف، عن جرائم جسيمة ارتكبتها ميليشيا الحوثي بحق الأطفال منها الاغتصاب خلال الدورات الطائفية.