الأحد , مايو 19 2024 الساعة 22 25
آخر الأخبار
الرئيسية / الأخبار / تقارير وحوارات / “اقتصاد السجون”.. تجارة تزدهر خلف أسوار المعتقلات الحوثية (تحقيق خاص).

“اقتصاد السجون”.. تجارة تزدهر خلف أسوار المعتقلات الحوثية (تحقيق خاص).

“الوطن نيوز – متابعات ”
أواخر عام 2018 غادر محمد أحمد الصبري معتقل كلية المجتمع التابع لميليشيا الحوثي في ذمار عن طريق التهريب مقابل المال. دفع 4 ملايين ريال يمني فدية لنافذين حوثيين قاموا بتخليصه من سجنه بعد صفقات أخرى خائبة كلفته قرابة 5 ملايين ريال مقابل وعود إفراج لم تنجز.

تكشف تفاصيل قصة محمد (37 عاما)، التي سردها لمحرر “المصدرأونلاين” جانباً مظلماً من اقتصاد السجون.. تفتح المعتقلات الحوثية، بما فيها من اعتقالات عشوائية تطال آلاف المدنيين، مجالاً واسعاً للقيادات الحوثية للاستثمار وجني الأموال ومُعاظمة الأرباح، كما تشكل مصدر دخل وفير لأتباعهم مقابل منح بعض الحقوق أو الخدمات وصولاً إلى الدفع مقابل الخلاص.

تم الترتيب للصفقة الأخيرة بشكل موثوق هذه المرة. استفاد الصبري من تجاربه السابقة في ذات المعتقل، حين تكفلت أسرته وأهله ووالدته، التي توفيت لاحقا بينما هو في معتقله، بتحويل مبالغ مالية وصلت 5 ملايين ريال على دفعات لمشرفين حوثيين؛ لكنهم اختفوا لاحقاً دون أن يتمكن من الوصول إليهم، بعدما أغلقوا هواتفهم وغادروا.

وحين كان يسأل عنهم بالكنية، لتعمد الحوثيين التكتم على أسمائهم، يخبره الآخرون أنهم لا يعرفونهم أو أنهم قتلوا في جبهات القتال.. وهذا هو الرد الشائع لدى الحوثيين حين تسأل عن قيادي أو مشرف حوثي مسؤول عن جُرمٍ أو انتهاك ما.

“أبو جنات”، “أبو اسماعيل”.. هذه كُنَى بعض شركاء صفقة الإفراج عن محمد، وثمة آخرين لا يتذكرهم؛ دفع لهم مبلغ 2.5 مليون ريال بينما كان داخل المعتقل، و1.5 مليون عشية الإفراج عنه بعدما تركوه في جولة كمران بمدينة ذمار منتصف ذات ليلة رمضانية من عام 2018.

“أبوعلي” قيادي حوثي آخر أجبره على توقيع تنازل عن سيارته (هيونداي إلنترا-2007) إذا كان يريد الخروج الفوري أو سيتعين عليه الانتظار لأسابيع إضافية في المعتقل لإعادة سيارته.. “أبو بدر” قيادي آخر أخذ منه عشرات الآلاف كان يطلبها لعلاج ابنته مقابل التعاون معه والتعاون لإخراجه.

المال مقابل الحقوق.. والامتيازات

محمد، الذي غدى مع طول فترة اعتقاله، “عاقلاً” للسجن، يتولى إدارة شؤون المحتجزين وطلباتهم والخدمات التي تقدم لهم والتخاطب نيابة عنهم، تمكن من بناء شبكة علاقات واسعة بكبار المشرفين والنافذين الحوثيين في إدارة المعتقل نزولاً إلى حراس العنابر ومشرفيهم، يقول إنه بنى تلك العلاقات، أو اشتراها، بالمال.

وذلك المال الذي كان يغدقه على الجميع منحه امتيازات من النادر أن يحظى بها غيره. كان يسمح له بالاتصال والخروج متى أراد لاستلام حوالات مالية تخص المعتقلين أو حوالاته الخاصة من أسرته وأصدقائه، الذين كانوا لا يترددون في تحويل أي مبلغ مالي يطلبه خصوصا حين يخبرهم بصفقة محتملة لتخليصه.

ومع كثرة علاقاته التي رسخها بالدفع السخي، أصبحت طلباته لا ترد من قبل مشرفي السجن، يقول محمد ” كان بإمكاني الخروج لمقابلة أقاربي أو أصدقائي خارج المعتقل، وذهبت أكثر من مرة إلى الحديقة، ونقلت للعلاج في مستشفي خاص، وكنت أدفع للمشرفين والمرافقين والحراسة أكثر مما أدفعه تكاليف العلاج”.

بطبيعة الحال كان يغادر المعتقل برفقة مسلحين، وهو إذ يحظى بتلك الامتيازات الباذخة “كان أغلب زملائي المعتقلين لا يرون الشمس لأشهر” يقول الصبري.

معتقلات عدة.. واستثمار مشترك

كان محمد قد اعتقل من أحد الأحياء الغربية لمدينة تعز في 27 أكتوبر 2015، بموجب بلاغ كيدي يتهمه بالارتباط بقيادة المقاومة الشعبية التي اندلعت لمواجهة الحوثيين والعمل كمسؤول عن تأمين الاتصالات، حيث كان الشاب الثلاثيني يعمل كمسؤول بارز في فرع شركة “يمن موبايل” للهاتف النقال الحكومية بمحافظة تعز.

احتجز لعدة أيام في أحد المعتقلات بمنطقة بير باشا غربي المدينة، قبل أن يُنقل لمعتقل مدينة الصالح، شرق مدينة تعز الذي أمضى فيه أسابيع، ومنه إلى معتقل كلية المجتمع بذمار حيث أمضى أغلب فترة اعتقاله التي امتدت لقرابة 3 أعوام تحت وطأة ظروف اعتقال وتعذيب قاسية، لا سيما في بداية الاعتقال، تهشمت أسنانه وطفحت أطرافه وأجزاء متفرقة من جسمه بثقوب وحروق وآثار تعذيب.

ولديه في كل معتقل قصة؛ ففي معتقل الصالح، يذكر محمد أنه أجرى مكالمات في أيامه الأولى، مع بعض أقاربه وأصدقائه، من هواتف مشرفين حوثيين هناك بعدما دفع مقابل ذلك، ليكتشف لاحقا أن بعض المشرفين الذين استخدم هواتفهم كانوا يعاودون الاتصال بالأرقام التي اتصل بها ويطلبون منهم تحويل مبالغ مالية له، لكنها في الحقيقة ذهبت لجيوبهم.

ارهاب يلازم الضحايا خارج المعتقلات

ومن بين مجموعة معتقلين خرجوا بعد دفع مبالغ مالية لوسطاء أو مشرفين حوثيين التقاهم المحرر ضمن تقصيه وراء استغلال المعتقلين لجني الأرباح، كان محمد الصبري هو الوحيد الذي وافق على الافصاح عن اسمه، بينما رفض آخرون التصريح بأسمائهم أو أي تعريف واضح قد يفضي لكشف هوياتهم خشية تعرضهم أو أقاربهم المتواجدين في مناطق سيطرة الحوثيين للاعتقال أو المضايقات، أو خشية إحراج الوسطاء.

آخرون رفضوا قطعيا الحديث أو أي إشارة لقصصهم ضمن هذا التقرير، مع زيادة هواجسهم من المضايقات الحوثية.

ثمن الخلاص قبل رفع التقارير

دفع “خالد أمين” (اسم مستعار) مبلغ 500 ألف ريال لمشرفين ووسطاء حوثيين مقابل الإفراج عنه ليلة اعتقاله. اعتقل الرجل من قبل الحوثيين بعدما غادر أحد مساجد صنعاء لانزعاجه من ازدحام وممارسات المسلحين التي لا تراعي حرمة المسجد رغم أنه لم يفصح عن اعتراضه.

اقتيد خالد إلى أحد أقسام شرطة صنعاء. وهناك تمكن من الاتصال ببعض أقاربه ومعارفه الذين بحثوا عن وسطاء وكثفوا تحركاتهم ومساعيهم لأجله.

دفع أقاربه مبلغ نصف مليون ريال لهؤلاء “السماسرة” مقابل المساعدة في إخراجه بذات الليلة قبل رفع تقارير حوله إلى أجهزة الاستخبارات الحوثية.

كان يخشى مزيدا من التحريات حوله وحول وظيفته السابقة في إحدى الجهات الحكومية والتي كانت ستسهل عليهم فبركة وتلفيق التهم ضده. غادر بعدها صنعاء نهائيا ليستقر في مارب ضمانا لسلامته.

اعتقالات عشوائية.. لكنها ممنهجة

تعتقل ميليشيا الحوثي مئات المواطنين بشكل عشوائي “ممنهج” من نقاط التفتيش والأسواق في مختلف المدن اليمنية دون أسباب، وأحيانا يفتشون عن أسباب تافهة أو مضحكة يلفقونها بعد تفتيش الهواتف وبرامج التواصل.

يُعتقل هؤلاء دون تهمة ولا يعرضون على المحققين، إذ الهدف غالبا هو التربح، وكذا إشاعة الخوف والترهيب على أكبر نطاق في المجتمع من القبضة الحوثية التي تشتبه بالجميع، وكلما كان السبب تافها أو مضحكا كلما كان بنظر الحوثيين أكثر مدعاة للتداول المثير للخوف.

وغالباً ما يُفرج عن أمثال هؤلاء دورياً بعد قضاء بضعة أشهر، عقب زيارة لجان شكلية للمعتقلات، وتقرر الإفراج عنهم بضمانة “مشرف حوثي” خلافاً لما اعتاد عليه اليمنيون سابقاً من أن الضمانة تكون تجارية أو وجاهة اجتماعية.

“ضمانة المشرف”.. مفتاح الاستثمار

“ضمانة المشرف” فتحت الباب واسعاً على مصراعيه لعمليات سمسرة وابتزاز بلا حدود. وبالنسبة لمواطن عادي، يكون الوصول إلى مشرف حوثي وكسب ثقته ليضمن قريب له، مدعاة للشك “المفتعل” بهذا الشخص ذاته، الباحث عن ضمين، لكن الأمور تتم بدفع مبالغ مالية لهؤلاء المشرفين أو مفاتيحهم من السماسرة.

خلال فترة احتجاز المحرر في معتقل “الصالح” منتصف عام 2018، التقى في زنزانته الجماعية شاباً حوثيا يدعى “أبو مجد”؛ سبق أن أصيب بساقه في إحدى جبهات القتال، وبعد معالجته سُمح له بالإقامة في غرفة ضمن مبنى سكني بتلك المدينة بحكم الإصابة.

وعن سبب سجنه، يقول “أبو مجد” إنه أخذ من قريب لأحد المعتقلين 60 ألف ريال ليبحث له عن “مشرف حوثي” يضمنه بعدما قرروا الإفراج عنه بذلك الشرط. ثمة من وشى به فتم استدعاؤه والتحقيق معه. وطلبوا منه تسليم المبلغ الذي قبضه فسلمه مشفوعاً بتعهد بعدم تكرار هذا العمل.

يبتسم ساخراً بأن المسؤول الذي أخذ المبلغ منه وضعه في جيبه ولم يسأل عن صاحبه لإعادته، وبدأ يصرف منه أثناء جلسته معه، بينما كان يعظه أن هذا التصرف ليس من أخلاق “المجاهدين المخلصين”. أبلغوه أنهم سيضعونه في السجن بضعة أيام لـ”تطهيره من الذنوب” إذ يشفع له تاريخه “الجهادي” في تخفيف عقوبة هذه الجريمة المنافية لأخلاقهم.

حين غادر المحرر المعتقل، كان “أبو مجد” لازال يقبع في سجنه للشهر السابع على التوالي، وكانوا قد أبلغوه بأنهم سيفرجون عنه بضمانة “مشرف”، دون أن يتمكن من الوصول إلى أحد معارفه بينما يقبع في زنزانته، وصار يتعين عليه البحث عن وسطاء لإنجاز المهمة، وبالطبع دفع المال.

سمسرة مثيرة للجدل.. الإهمال أم الاهتمام؟!

لا يوجد ثابت في تعامل الحوثيين مع المعتقلين، ولا قاعدة محددة يمكن الركون إليها باعتبارها الأكثر جدوى سواء لتحسين ظروف الاعتقال أو تسريع الإفراج.

يتجادل المعتقلون فيما بينهم، وكذلك يتجادل أقاربهم خارج المعتقلات. ثمة من يرى أن الاهتمام ومتابعة المعتقل والدفع السخي يساعد في الإفراج عنه، وأن التجاهل وعدم الدفع والمتابعة الدائمة يدخله طي النسيان ويقلص من حظوظه في الخلاص.

وفريق آخر يرى أن الدفع والمتابعة الحثيثة تعطي انطباعاً بأهمية أو خطورة المعتقل ويضاعف الشكوك حوله. وقد يشكل ذلك حافز إغراء للمشرفين والوسطاء والسماسرة لإطالة أمد اعتقاله بغرض ابتزاز اسرته واستثمار قضيته، وادخالها في سيناريوهات ملفقة بين فترة وأخرى. وهؤلاء يعتقدون أن التجاهل وعدم الدفع يجعل الحوثيين يشعرون بعدم جدواه ويطلقون سراحه.

شاهد أيضاً

تقرير: تدمير كلي وجزئي لـ4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي.

كشف تقرير حكومي عن تدمير نحو خمسة آلاف مأوى للنازحين، في ثمان محافظات، خلال أبريل ...