متابعات الوطن نيوز-الصحوة نت
تتفاقم معاناة المواطنين في مدينة الحديدة مع دخول صيف كل عام، بالتزامن مع غيابٍ تامٍّ للكهرباء في المدينة نتيجة استيلاء مليشيات الحوثي على مؤسسات الكهرباء، ونهب مبالغ خيالية تقدر بالمليارات كانت مخصصة لها، الأمر الذي يجعل موضوع الكهرباء في الحديدة على رأس قائمة الأزمات والمعاناة التي افتعلها الكهنوت الحوثي ويتغذى على المتاجرة بها.
ومثَّلت الحديدة بموقعها الساحلي ومينائها ومواردها، وجبة دسِمة للكهنوت الحوثي القادم من كهوف صعدة بنفسٍ شرهةٍ للنهب والسلب، ولقد كان لمدينة الحديدة نصيب الأسد من بين المدن اليمنية الأخرى، من الأزمة الإنسانية في اليمن إثر انقلاب المليشيات الحوثية على السلطة واندلاع الحرب.
أزمة دائمة
ومع دخول فصل الصيف لهذا العام وارتفاع درجات الحرارة، بدأ الحديث عن أزمة الكهرباء يعود للواجهة مجددًا، بزخمٍ شعبي وغضبٍ أكبر، ليس عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي فحسب، بل حتى في شوارع المدينة وأحيائها وأسواقها وصولًا إلى داخل باصات النقل، فلم يعد أي تجمع للمواطنين داخل مدينة الحديدة يخلو من التأفف ونبرات الرفض والسخط من الفساد التي تغرق فيه مليشيات الحوثي، بينما المواطنين يموتون في منازلهم دون كهرباء.
هذه المعاناة دفعت بالكثير من سكان مدينة الحديدة إلى ترك منازلهم بعد أن اشتدَّ بهم الحال، واللجوء إلى بعض الأرصفة المتاخمة للعمارات الطويلة وتحت الأشجار وأزقة الحارات للعيش المؤقت، بحثًا عن نسمة هواءٍ باردة وظلالٍ يقيهم حرارة الشمس في ظل انقطاع الكهرباء في المدينة وكذلك عدم مقدرة المواطنين على دفع تكاليف رسوم الاشتراك للكهرباء التجاري التي تعود ملكيتها لقيادات حوثية.
ويقول المواطن يوسف فقيرة، أحد أبناء الحديدة، إنه ضاق به الحال وبلغت معاناته مبلغها إزاء الوضع الحالي الذي يعيشه داخل المدينة ، بالتزامن مع انقطاع التيار الكهربائي وعدم قدرته على سداد تكاليف الخدمة، وهو نموذجٌ واحد من ملايين المواطنين الذين يشاطرونه سوء الوضع المعيشي داخل مدينة الحديدة.
معاناة قاسية
ويضيف يوسف لـ “الصحوة نت” معرِّفًا عن نفسه: “أنا شاب بسيط متزوج ولي ابنتَين، إحداهما تعاني من “ضمور في المخ”، نزحنا من الدريهمي إلى مدينة الحديدة في عام 2019 بسبب الحرب الضارية حينها، وأعيش حاليًا داخل غرفة إيجار مع زوجتي وابنتيَّ، وهي غرفة صغيرة بلا سقف، وليس لدينا ما يأوينا غيرها”.
وعن معاناته إثر انقطاع الكهرباء وارتفاع درجات الحراة في المدينة، يقول يوسف: “كان لدي من قبل عداد كهرباء للغرفة، لكن المؤسسة قامت بفصله قبل خمسة أشهر بسبب عدم قدرتي على سداد 330ريال للكيلو الواحد. معاناتنا هذه الأيام كبيرة، والوجع الذي نشعر به أكبر من أن أعبر عنه.
وتابع” أجسامنا مليئة بالصنافير (مرض جلدي بسبب الحَر) والتقرحات، وابنتي الصغيرة التي لديها ضمور في المخ تصرخ ليلًا ونهارًا من ألمها وأنا أقف أمامها عاجز الحيلة، نعيش جميعنا في الغرفة على ضوء الفانوس، ولا نستطيع النوم في الليل بسبب شدة الحَر، ويزيد وجعي عندما أسمع بكاء وأنين بناتي وزوجتي كل ليلة”.
ارتفاع الوفيات
وتتسبب موجات الحر الشديدة، بارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال والمرضى في مستشفيات المحافظة، ويعتبر كبار السن والحوامل والأطفال من بين الفئات المعرضة للخطر بسبب ضعف مناعتهم.
وقال أحد الأطباء العاملين في مستشفى الثورة الحكومي إن نسبة الوفيات من الاطفال ومن مرضى غسيل الكلى داخل مستشفى الثورة الحكومي في المدينة ترتفع بشكل كبير كل عامٍ مع دخول فصل الصيف.
وأضاف في تصريح لـ” الصحوة نت”، أن سبب ارتفاع الوفيات نتيجة توقف الأجهزة الطبية إثر انقطاع الكهرباء عن المستشفى لساعاتٍ طويلة، وسط تكتم شديد من سلطة المليشيات داخل مدينة الحديدة عن هذا الأمر.
مطالب ومقترحات
الصحفي التهامي “بسيم جناني”، أكد إن أصوات المواطنين بدأت بالارتفاع، وإن أغلب الرسائل والتعليقات تطالب بعمل حملة عن الكهرباء والظلم والقهر الذي تمارسه سلطة الحوثي، من فرض أسعار خيالية هي الأعلى على مستوى العالم للكيلو وات الواحد، في ظل انقطاع الرواتب وانعدام مصادر الدخل.
وأضاف “جناني” في منشورٍ له على فيسبوك: الحملة قادمة وستشمل كافة القطاعات الخدمية، ولكن الأهم ماذا بعد الحملة المؤقتة التي تنتهي بمسكنات من قبل العصابة الحوثية وفي كل سنة نقيم حملة ويتم عمل حلول ترقيعية في ظاهرها كذب ودجل وباطنها نهب وفتح باب جديد للسرقة كما حصل العام الماضي.
واقترَح “جناني” أن يكون هذا الحراك الشعبي المطالب بحقوق أبناء الحديدة حراكٌ مستمر، وليس حراكًا موسميًا يظهر في الصيف من كل عامٍ ثم يختفي. قائلًا: “نحتاج لحراك مستمر في المطالبة بأبسط حقوقنا وليس فقط لحراكٍ موسمي حول الكهرباء حين نشعر بحرارة الصيف وتنسلخ جلودنا.
وتابع ” لا نطالبكم بالنزول إلى الشارع، فقط قل لا للظلم، عبِّر عن رفضك للمعاناة التي تنهش جسد أطفالك، ورفضك لمن حول حياة المواطنين إلى جحيم، فقيادة المليشيات ينهبون الإيرادات ويبنون الطيرمانات ويركبون أفخم السيارات، والشعب يعيش في غلب وقهر ويحتسب أمره إلى الله هوناً وضعفاً.”
نهب ومتاجرة
ومنذ انقلابها استولت مليشيات الحوثي على مؤسسة الكهرباء الحكومية لمدينة الحديدة، وعيَّنت القيادي “عبدالغني المداني” مديرًا لصندوق دعم كهرباء الحديدة، ليقوم بتحويلها إلى مصدرٍ كبير للتمويل العسكري في دعم جبهات القتال، من خلال فرض تسعيرة خيالية هي الأغلى في العالم مقابل الحصول على خدمة الكهرباء.
كما قامت المليشيات الحوثية ببيع خطوط التيار الساخن (كهرباء حكومية) في مدينة الحديدة لمالكي المحطات الخاصة، وهم قياديون في الجماعة المليشاوية نفسها، بالإضافة إلى أنها عمدت على تأجير مولدات وشبكات الكهرباء الحكومية لشركاتٍ تجارية خاصة مقابل تحصيلها على مبالغ مالية كبيرة.
هذه السياسة الحوثية أدت إلى تنامي شركات توليد الكهرباء الخاصة بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وصل عددها في العام الماضي إلى ما يقارب 85 محطة تجارية في محافظة الحديدة، غالبيتها تتبع القيادي في مليشيات الحوثي المدعو “محمد المرَّاني”، وهو واحد من أكبر النافذين الحوثيين في قطاع الكهرباء الخاصة داخل المناطق التي تسيطر عليها المليشيات.
وبهذه الاستراتيجية استطاعت مليشيات الحوثي أن تخنق أبناء الحديدة من أكثر من جانب، حيث سرقت المخصصات الحكومية التي كانت من المفترض أن تذهب لصالح كهرباء مدينة الحديدة، وأجَّرت المولدات الكهربائية الحكومية لمالكي المحطات الخاصة وهم قياديون حوثيون أيضًا؛ ليجد المواطن البائس نفسه مضطرًا للإشتراك في الكهرباء الخاصة التابعة لقيادات المليشيات بأسعارٍ مرتفعة جدًا، تصل إلى 500ريال للكيلو الواحد.
أرقام خيالة
وفي الوقت الذي يموت فيه أبناء الحديدة بسبب الحَر وانقطاع الكهرباء وعدم قدرتهم على دفع التكلفة الباهظة للكهرباء الخاصة، يعيش قياديو المليشيات الحوثية داخل مدينة الحديدة طفرة ثراء فاحشٍ بسبب نهبهم للموارد والثروات والمخصصات الحكومية في مختلف القطاعات، وعلى رأس قائمتها قطاع الكهرباء.
في العام 2017، قامت المليشيات الحوثية بإنشاء ما يسمى “صندق تنمية ودعم الحديدة”، وهو صندوق خصصته المليشيات لمشاريع الكهرباء والمياه والصحة في المدينة، بعد ضغوطات شعبية كبيرة تطالب المليشيات بإيجاد حلٍّ لأزمة الكهرباء، وكعادة المليشيات في المتاجرة بمعاناة المواطنين، لم يكن إنشاء هذا الصندوق سوى مخدر موضعي لغضب الشارع، وكذلك ثغرة جديدة تفتح للمليشيات باب نهبٍ جديدٍ.
وحسب تقارير رسمية، فإن المليشيات الحوثية قامت بفرض (10ريالات) على كل كيس قمح ولتر وقود يدخل إلى ميناء الحديدة، تحت مبرر دعم الصندوق الذي قامت بتأسيسه، ليصل مجموع المبلغ في العام 2020 إلى ما يزيد عن 20 مليار ريال يمني، جميعها ذهبت إلى جيوب قيادات المليشيات الحوثية، أبرزهم (عبدالغني المداني، ومهدي المشاط، ومحمد عياش قحيم)، فيما ظلت كهرباء الحديدة مقطوعة ومعاناة أبناء الحديدة تكبر يومًا بعد آخر.
وكشفت وثائق تم نشرها في العام الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي عن نهب المليشيات الحوثية لما يقارب 5 مليارات ريال تحت مظلة إنشاء محطة لتوليد الكهرباء بالفحم في منطقة “رأس عيسى” شمال مدينة الحديدة